[size=16]صدر
حديثًا في القاهرة، كتاب بعنوان: "المآذن.. رحلة الشموخ والشروخ"، للكاتب:
محمد السيد سالم، وفي هذا الكتاب يحاول المؤلف أن يرسم صورة للإسلام في
آسيا الوسطى، ففي الفصل الأول من الكتاب يرصد المؤلف كيف انتشر الإسلام في
تلك الرقعة الجغرافية، التي تشمل الهند والصين وآسيا الصغرى وآسيا الوسطى،
وفقًا لقيم رسّخها الرسول صلى الله عليه وسلم، تقوم على التحاور وقبول
الآخر واحترام عقائده وممتلكاته، بل وفتح المجال أمامه، سواء في الكسب
المادي أو المعرفي أو حتى السلطوي، وكيف شهدت الدولة العباسية اعتمادًا
على أعراق كالفرس والترك في حكمها، وكيف نبغ أعلام من غير العرب في علم
الحديث والقرآن كالبخاري ومسلم، وعلماء الحضارة كجابر بن حيان وابن سينا
والبيروني وابن الهيثم والفارابي وابن يونس وغيرهم، وكيف قبل المسلمون أن
يكون لهم وزراء من النصارى واليهود وغيرهم. وفي البداية يرى المؤلف أن
غالبية أراضي العالم الإسلامي على هيئة كتلة متصلة في النصف الشمالي من
إفريقيا والربُع الجنوبي من آسيا، وهي مساحة ضخمة تبلغ 28.5 مليون كم 2،
أي نحو 31% من مساحة العالم. وكان من نتيجة الامتداد للعالم الإسلامي أن
أصبح مشتملاً على عدد كبير من الأقاليم المناخية والنباتية، ويعني ذلك
تنوع وتعدد الثروة النباتية والحيوانية والزراعية والمعدنية في أنحاء
العالم الإسلامي.
أما عن أهمية مواقع المآذن الإسلامية في العالم،
فيرى المؤلف أن العالم الإسلامي يشغل موقعًا استراتيجيًا ممتازًا بين
مناطق العالم؛ نتيجة لامتداده فوق مساحة شاسعة تتعدد فيها الجبهات، وتتنوع
فيها الظروف الجغرافية، فمعظم دول العالم الإسلامي تطلّ على عدد كبير من
المسطحات المائية المفتوحة تمثل بحق، أهم طرق المواصلات البحرية في
العالم.
كما يلفت المؤلف النظر إلى إسهامات الحضارة الإسلامية في
تقدم الإنسانية، ويؤكد على عالمية الإسلام الذي قدم للعالم حضارة راقية،
وتعايش مع الحضارات الأخرى.
وفي نهاية هذا الفصل، يتساءل المؤلف: هذا
ما كان في زمان المآذن الشامخة، أما اليوم في حاضر شروخها فإلى أين المصير
في ظل هذا الإيقاع المجنون والمتسارع لحركة الأحداث، والذي يكاد يؤدي
بالعالم كله إلى حالة من الفوضى السياسية والخراب الروحي والتيه الإنساني؟
ويبدأ
المؤلف في الفصل الثاني برصد تاريخ المسلمين وانتشار المآذن الإسلامية في
آسيا والهند، ويؤكد المؤلف على أنه ما زال حتى اليوم يحرص المسلمون في
الهند حرصًا شديدًا على الإسلام، ويبن أن أروع فصول البطولة والتضحية كان
متمثلاً في كفاحهم السياسي، واحتفاظهم بدينهم بعد فقد سلطانهم الإداري،
ويرى أن مسلمي الهند من أكثر الأقليات في العالم تمسكًا بدينهم، حيث
أقاموا الكثير من المعاهد والمؤسسات الإسلامية والعربية..
ثم تحدث عن
الاضطهاد الهندوسي للمسلمين وبداية الشروخ، وتكلم عن قضية المسجد البابري،
ويرى أن الأمر لم يكن شرخًا في مئذنة المسجد فحسب، بل كان معولاً لهدم كل
مآذن الهند من أساسها، ولكن هيهات! فالله حافظ هذا الدين، مهما كره
الكافرون، ومهما تحامل عليه الحاقدون.
ثم تحدث عن ملف ضائع من الضمير
الإسلامي وهو مسلمو الصين، وبين كيف دخل الإسلام إلى تلك المِنطَقة، وأن
الصين عرفت الإسلام منذ وقت مبكر. وعرض في إيجاز، قصة المسلمين في الصين،
وبين أن المشكلة لا تكمن في اهتزازات مآذن الصين اليوم، بل في شروخها
المحتملة في الغد.
ثم تكلم عن الإسلام في أفغانستان، وبدأ بالفتح
الإسلامي لأفغانستان، وبين أن الإسلام دخل بلاد الأفغان في القرن الأول
الهجري، كما بين اهتمام الغرب بأفغانستان، حيث إنها في نظر الغرب، بلد
مليء بالعجائب. ويشرح تطور الموقف في أفغانستان من البداية، أي منذ دخول
الإسلام وحتى يومنا هذا، مبينًا أن الشرخ قد امتد بمآذن أفغانستان حتى وصل
إلى الأساس، واخترق كافة الجُدْران. ويتساءل: إلى أي حد سوف يصمد ويقاوم
هذا الشرخ الرهيب الخطير؟ سؤال لا بد أن يلفت نظر الدول الإسلامية التي
اخترقت مآذنها جميعًا الشروخ، وصارت على حافة السقوط، ومع هذا ننتظر أملاً
وإنقاذًا لا يبدو في الأفق المشحون بالافتراضات المتوحشة الغادرة؟!!
ثم
يعرّج المؤلف بالحديث عن مسلمي آسيا الوسطى، فيتحدث عن تركستان، تلك
المنطقة التي أنجبت آحادًا من أعظم الأئمة في عالمنا الإسلامي، مثل الإمام
البخاري، والترمذي، والجوهري صاحب ((الصحاح)).
ثم تحدث عن المغول
ودولتهم، كما تحدث عن تجربة الإسلام في العالم الشيوعي، كما تكلم عن
الإسلام في كازاخستان وأوزبكستان وأذربيجان، كما تناول الإسلام في
جمهوريات وأقاليم شمال القوقاز وجورجيا وداغستان.
والكتاب مملوء
بالحقائق التاريخية عن المسلمين في بلاد عانت من الاضطهاد والتذويب في
القوميات الأخرى، وجهلها المسلمون العرب، ولم يهتموا بها كثيرًا، فلم
يُكتب عنها بما فيه الكفاية.
ويذهب المؤلف، محمد السيد سالم، في كتابه
القيم، إلى أن أول عامل في شرخ المآذن التي بُنيت في تلك الأطراف البعيدة
من العالم، النهوض الإيراني والروسي، بدءًا من القرن السادس عشر؛ فقد أدى
الصراع بين الطرفين إلى اجتياح روسيا لعدد كبير من الممالك الإسلامية في
الأقاليم التركية، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تم تغيير الخريطة
السكانية في تلك المناطق، وذلك بتهجير المسلمين من بلادهم وإحلال الروس
مكانهم، وشهد القرنان الأخيران أكبر تعنت ضد المسلمين ومساجدهم في هذه
البلدان.
وانتهى سالم في كتابه إلى سؤال مؤاده:
هل ستزداد تلك
الشروخ إلى حد يؤدي إلى انهيار مآذن الإسلام كلها؟! أم أن العالم الإسلامي
سينتبه للبحث عن صيغة ترفع اليد عن مآذنه في كل مكان[/size]