ميثاق الصداقة ممكن مع أي بلد·· لكن ليس مع فرنسا

الدكتـور أحمـد مهـساس لـ ''المحـقق ''
ميثاق الصداقة ممكن مع أي بلد·· لكن ليس مع فرنسا
حاوره: منتصر اوبترون
22 أفريل 2006

الدكتور أحمد مهساس، 83 عاما، من أبرز قدماء الحركة الوطنية وأحد مؤسسي المنظمة الخاصة مع بلوزداد، ناضل في الخلايا السرية لحزب الشعب منذ عام 1940 وأحد مؤسسي فدرالية فرنسا لجبهة التحرير، هرب إلى ألمانيا من تونس حيث حكم عليه بالإعدام بعد مؤتمر الصومام، وعين وزيرا للفلاحة وعضو في مجلس الثورة بعد ,1965 ألف كتاب تاريخ الحركة الثورية في الجزائر 1919 ـ 1954 وله كتابان عن المقاومة للاستعمار لم يجدا طريقا للنشر، مثقف يناضل من أجل التحرير الوطني بالمنظور العربي الإسلامي، مهساس فتح قلبه لـ''المحقق'' وكان هذا الحوار ·

لو فسرنا ووضحنا ما حدث أثناء حرب التحرير والحركة الوطنية هل كان بالإمكان تفادي مأساة ضحايا الارهاب؟

هذه بالنسبة لي مسلمة· لو فسرنا التاريخ لما حصلت حقبة الحرب والإرهاب· لو فسرنا التاريخ جيدا لما حدثت المأساة لأن المشكل كنا نعرفه من قبل، فتداخل وتراكم قوى مختلفة وعمل التهديم الذي مارسه الاستعمار خلال 130 سنة ترك ثغرات وفجوات كبيرة (···)

كيف تفسر >المعجزة< في مواجهات شعب مسلوب، مريض وأمي لدولة قوية ومدججة بالخبرة والعتاد والحنكة؟

نحن بطبيعة الحال نستخلص هذه القوة من هذه المعجزة، وإلا كيف نفسر أنه في الوقت الذي كان فيه الاستعمار في أوجه بعد أن تيقّن أنه هزم المجتمع الجزائري واستقر بشكل لا يحتمل الرجوع الى الوراء وأنه غرس مجتمعا جديدا متكونا من أروبيين، في هذا الوقت بالذات عادت فكرة استقلال الجزائر· فعندما غزت الدولة الفرنسية الجزائر كان هدفها خلق مستعمرة تصبح جزءا من فرنسا على حساب الأمة والمجتمع الجزائري الذي كان من المفروض إبادته مثل الهنود الحمر في أمريكا وهذه هي الايديولوجية التي كانت مهيمنة في العالم الغربي في تلك الفترة ·

هناك آلاف الكتب صدرت عن حرب الجزائر في فرنسا أعيد فيها اعتبار كبير لهذه المسألة، كما صدرت عدة مغالطات فضح بعضها أوساريس، ولكن عندنا لم نقل الحقيقة كاملة، سيما وأن الثورة وقعت فيها تصفيات وأشياء أخرى· ألا يجب أن تكون لنا اليوم رؤية نقدية حتى لا يبقى التاريخ حبيس زمرة من المؤرخين تطل علينا كل مرة بأنصاف حقائق وأحيانا بمعلومات مشكوك في صحتها؟

أظن أن هذه الفئة (المؤرخين) هي التي مسها الاستعمار بصفة خطيرة، لأن الاستعمار كان ذكيا وهؤلاء تم تكوينهم ليكونوا أتباعا ويؤدوا خدمة، فكان يجب ألا تدخل فكرة الاستقلال رؤوس المثقفين إذا عرفنا أن تكوينهم كان موجها بحيث لا يمكنهم الإيمان بإمكانية الاستقلال· وفي هذا الجانب كاد الاستعمار أن ينجح في مهمته، ولأن المثقفين كانوا فئة قليلة فقد قيل لهم إن ما درسوه هو العلم··· والثقافة التي كانت تضخ هدفها تحطيم المجتمع· يجب علينا استعمال المنهجية العلمية للتاريخ لاستخلاص ما هو إيجابي وسلبي في التجربة· لأن التجربة هي استخلاص واستقراء مكامن الفشل وهي الأهم أي النقد ·

ويمكن علميا نقد موقف سياسي دون إهانة أو استصغار الشخص أو المجموعة التي اتخذت ذلك الموقف، أما ترك الأمور تتراكم لمدة سنوات ثم محاولة كتابة التاريخ، كما فعلنا، فليس هكذا يكتب التاريخ· وهي طريقة لإعادة صياغة التاريخ لأغراض محددة· مثلا اليوم كل ما هو ثوري راديكالي لا يعتبر إيجابيا، والإيجابي هو الوطني الذي يساوم ويقبل بالوفاق والحلول الوسطى، لأن الوضع الدولي الحالي يفرض هذا ·

لكن العنف ليس دائما سلبيا تماما، ونداء أول نوفمبر في حد ذاته يطلب من الشعب والوطنيين رفع السلاح لتحطيم وتدمير النظام الاستعماري؟

خلقنا ضد العنف الاستعماري عنفا مضادا وأحيانا لم نكن نتحكم في هذا العنف وانقلب ضدنا· لكن بدون هذا العنف ما كان لنا لننتصر وعندما كانت تعقد اجتماعات لإطارات سياسية عسكرية، كانت بهدف خلق قوة عنيفة ولم تكن لقاءات لفلاسفة أو علماء اجتماع، بل اجتماعهم كان يرمي لخلق قوة تواجه القوة الكبرى للجيش الفرنسي· وفرحات عباس نفسه بعد نضال طويل قال عندما ذهب الى القاهرة يومها إنه راكم ثلاثين عاما من الخطأ السياسي، وهو معروف بمواقفه ضد العنف ·

هناك معطيات وإذا لم ندرس التاريخ جيدا لا يمكن أبدا أن نفهم كيفية سير مجتمع إنساني· وفي وقتنا في الأربعينيات كيف يمكن تفسير قبول شاب في الثامنة عشرة الموت من أجل الاستقلال كشيء لم يعرفه ولم يره· كنا مدفوعين للعنف والسلاح كحل أوحد مفروض· واليوم ما يمنع قوة مثل الولايات المتحدة من محاولة تفضيل منهج تفسير العنف علميا وفهم مصادره· وأمريكا دولة عظمى تملك الوسائل لذلك وليس تحطيم برجين هو الذي قضى على أمريكا· لماذا لا تفعل هذا ·

شاركتم في الثورة وفي الحركة الوطنية، كتب عنكم مؤرخون كثيرون من اسطورة الى حربي الى جيلبار مينبي وغيرهم··· وانتم غير راضين عما كتبوه بخصوصكم· لماذا؟

لأني أحس، دون مبالغة، أني عشت في قلب الثورة، ليس وحدي طبعا واعتقد أن عقلية جيلبار مينيي وأمثاله لا علاقة لها بالثورة، لأن الثورة بالنسبة لنا هي إمكانية خلق قوة انطلاقا من لاشيء ومكافحة قوة عظيمة والانتصار عليها ·

وهذا ما لا يفهمه مؤرخ فرنسي مثل ميني وهو مجبر على البحث عن مفاهيم، مثل التحرير الوطني، التاريخ الداخلي للآفالان··· ولا يفهم كيف استطاع أناس بهذه النقائص والضعف أن يتغلبوا على فرنسا· ولأن تيار المؤرخين الفرنسيين لا يهضم حركية المجتمع الجزائري، فمثلا بالنسبة لمؤرخ من اليسار فهو ضد الاستعمار لكنه يرى مجتمعنا ثقافيا كمجتمع أدنى لا ينطبق على رؤاه كغربي مثل ما هو الحال لماركس وانلجز، فليس لهم الثقافة الكافية لفهم المجتمع الجزائري· وبالنسبة لمؤرخ أو مثقف يميني >علمي< فإنه يعتبر الإسلام والعرب، أعداء الأمس ويجب الاحتياط منهم حتى لا يعودوا، وبالتالي فإنه يعطي أهمية للذين يعتبرهم قريبين منه وهم الأقل خطورة باعتقاده ···

ديدوش مراد وبن بولعيد كان بالإمكان عدم قتلهما، لكن تصفيتهما تدل على أن الاستعماريين كانوا ينتقون من يريدون تصفيتهم من الاطارات· والى جانب القتل المادي الفعلي، هناك القتل الثقافي والسياسي، بالتناسي أو إخفاء الحقائق ·

فمثلا عندما يتحدثون عن الرسالة التي بعثت بها الى شيحاني عام 1955 فإنهم لا يذكرون سوى المقاطع التي تهمّهم، لكن الباقي ـ وهو الأهم ـ يغمرونه، رغم أن الرسالة كاملة بحوزتهم تتحدث عن كيفية تكسير حصار الأوراس، وبالطبع فإن المتشبعين بايدلويوجية الانتقاء مثل ''مينيي، فأنا بالنسبة له عدو، وحربي بالنسبة له صديق، لأنه يدافع عن نفس الأطروحة المعادية للعروبة والاسلام إيديولوجيا· وهو مع إمضاء ميثاق صداقة بأي ثمن لأنه يعيش في فرنسا· وفي اعتقادي فإن حربي ليس جزائريا في اهتماماته اليومية وأنا ليس لي أصدقاء في وسط المؤرخين الفرنسيين ·

بالمناسبة، كيف تفسرون إدانة المؤرخ الجزائري محمد حربي وتنديده بالأطروحة الجزائرية التي وضعت في نفس الخانة جرائم فرنسا الاستعمارية أثناء مجازر 8 ماي 1945 وبالخصوص حرق الجزائريين بأفران الجير بكاف البومبة بولاية قالمة مع الجرائم النازية، وهي الفكرة التي أعادها الرئيس بوتفليقة في ذكرى 8 ماي وأثارت ردودا عنيفة في بعض الأوساط الفرنسية بما فيها الرسمية؟

قلت إن هؤلاء ليسوا جزائريين بالمعنى التام للكلمة· فهم جزائريون بالأصل لكن ليس بالإحساس والعمق التاريخي وإلا لماذا وضع جزائريين في الأفران وحرقهم أحياء يجوز، والقول ان هذه الأعمال نازية لا تجوز··· هذه هي الايديولوجية ولا علاقة لها بالعلم والتاريخ· لكن عند حربي خيارات يرفض التصريح بها ·

في المرة الأخيرة قال حربي لـ>الجزيرة نت< حول إمضاء معاهدة الصداقة، هناك أشخاص مثل محساس يرفضون المعاهدة ويريدون في نفس الوقت أن تحبّهم فرنسا، فسأله الصحافي من هم؟· قال حربي: الوطنيين والاسلاميين· فقلت للصحافي في الهاتف، المشكل مع حربي أنه إذا لم يكن وطنيا وإذا لم يكن إسلاميا فهو ماذا· فليقل لنا· إنه يريد جرنا في سياق فرنسا بمنظور اشتراكي ماركسي· فنحن حاولنا تطبيق الأشياء العصرية من الاشتراكية دون نكران ذاتنا· وأنا قلق جدا، فهولاء هم مخلفات الاستعمار، لأن الاستعمار لم يصنع فقط ''الحركى'' بل حاول التأثير على المثقفين الجزائريين الذين يواصلون التفكير بمفاهيم لم تعد مجدية وهذا هو الاستلاب ·

لكن هناك حقائق ليست نيّرة عن العنف أثناء الثورة· حيث تمت تصفية وطنيين ومناضلين، قتلهم إخوانهم: شيحاني بشير، عبان رمضان، عباس لغرور وعشرات الآخرين··· وأنتم أيضا كنتم مرشحين للتصفية؟

(مقاطعا)··· استعمال العنف في مجتمع مثل مجتمعنا يخلق دائما مشاكل جديدة، لأنه لا توجد وصفة لكيفية الاستعمال في ثورة، فهي عملية خلق متواصلة في وجه عدو قوي وخلاق ·

طيب هناك طرق عديدة لحل المشاكل، اليوم لدينا مشكل نحاول حلّه بطرق سلمية وننجح· غداً يطرح مشكل أكثر تعقيدا وتكون الخلافات لا تقبل التوافق، وكل واحد يصر على المشروع الذي يريد تنفيذه، وهنا تذهب الأمور الى حد العنف، وهو ما حصل في ثورتنا وليست خلافات شخصية وهناك أيضا عوامل أخرى ثانوية··· وهو ما حدث لي شخصيا ·



كيف؟

الكل يعلم أن مؤتمر الصومام أفرز عنفا جديدا، حكم عليّ بالإعدام ونجوت، لأنه ـ لحسن الحظ ـ أن الأشخاص المكلفين بتصفيتي لم يقوموا بتنفيذ الأوامر ·

وهناك من شهد بهذا قالها باسطا، وكان هناك آخرون حاولوا تصفيتي· كان هناك نقص في الفهم، لأن مشاكل من هذا النوع لا يجب أبدا حلها بالعنف والتصفيات· وإذا بدأنا مرة واحدة باستعمال العنف، وهذا ما فعلوه ضد حوالي 30 من الاطارات السامية لمنطقة (أوراس النمامشة) وقتلوا منهم 15 من بينهم خيرة الشباب، فهذا خطير جدا· وكل هذا من أجل تمرير مشروع (أرضية الصومام) لم يدم سنة· هذه هي الأخطاء الفادحة التي يجب تفاديها ويجب تفسيرها بإخلاص وبعلمية وموضوعية وبطريقة بناءة· وأظن أن أحداث العنف التي وقعت بعد ذلك وحتى اليوم كانت بسبب عدم توضيحنا هذه الأخطاء وطغيان الأنانية، فالاعتقاد بامتلاك الحقيقة يجرنا الى الجريمة وهذا غير مقعول ·

عبان رمضان أيضا ضحية جريمة وهو مهندس مشروع الصومام؟

عبان رمضان كان هو أيضا ضحية، وهو الذي وضع نظاما ونمطا وكان ضحيته· نشط مؤتمرا بعبقرية كانت سببا في اغتياله سنة بعد انعقاده، حيث وجد نفسه وحيدا في لجنة التنسيق والتنفيذ CCE والمجلس الوطني للثورة، كان وحيدا ومحكوما عليه بالموت من طرف الخمسة، ثم يقولون لنا لماذا انتقدتم مؤتمر الصومام، هذه المسألة ليست معقولة، قصة الصومام هي فظاعة وهي تركيب كاد أن ينسف الثورة ويؤدي بالبلاد الى المحال· ولحسن الحظ كانت هناك حكمة ولم نتكلم عن الاغتيالات إلا في السنوات الأخيرة حتى لا نفشل عزيمة الآخرين، فضلنا السكوت وعدم نشر الغسيل الوسخ ·

هذه الأمور تنتمي الى التاريخ وليس قصدنا المحاسبة أو إصدار أحكام قيمية، ومقتل قائد مثل عبان ترك تفاسير عديدة؛ من اتهام بالخيانة الى البطل الذي استشهد في معركة، ولنا الحق ان نعرف اليوم إذا كان هناك شيء ضده؟ ·

ليس لي أي شيء ضد عبان أنا الذي أدخلته الحزب وإدخلته كإطار، خارق للعادة· والمناضل حسين لحول، رحمه الله، عندما بعثت له عبان عيّنه مباشرة إطارا ساميا بسطيف· وكنا وقتها نبحث مع بلوزداد على إطارات وعندما كنا نجد واحدا مثل عبان كنا نتشبث به· وكنا عندما انقسم الحزب وضعنا عبان رمضان ضمن قائمتنا وحسبناه وهو في السجن ضمن صفوف مجموعتنا، لكن عند خروجه من السجن لم أفهم لماذا كنا نحن أول من هاجم، رغم أننا كنا الأوائل ـ دون مبالغة ـ الذين سطروا للثورة حتى قبل اللجنة الثورية للوحدة والعمل ولديّ وثائق· ومجموعة المؤرخين مثل سطورة وغيره يملكون الوثائق ويرفضون منحي إيّاها· فمثلا أول تصريح >نداء للتعقل< وجهت نداء للمناضلين نحن الذين فكرنا قبل الجميع في الحياد بين الاتجاهين المتصارعين في الحزب وسميناه الحياد الإيجابي، لكن عبان تحالف مع الآخرين ضدنا ·




لماذا لم يفر عبان معكم من سجن البليدة سنة 1952 عندما هربتم مع بن بلة؟

لا أعلم· ربما لم يرغب في ذلك· لكن أفرج عنه قبل المدة بأشهر· والفرنسيون كانوا يعرفون جيدا ما يفعلون، وقاموا بعمليات محبكة ومركبة جيدا· في البداية فوجئوا بالثورة وكانوا يعتقدون أن كل مناضلي الحزب فجروا الثورة ثم فهموا بعدها أنها فقط مجموعة محددة جدا، وهذه المجموعة وضعت القيادات الأخرى أمام الأمر الواقع، ثم بعدها بدأوا في عميلة الإفراج عن مجموعات بهدف الانتقام من المجموعة الأولى ولخلق تناقضات، وعبان عوض أن ينضم لنا ذهب في اتجاه بن خدة والمركزيين ولا أقول هذا للحط بهم لكن هذه هي السياسة ·

فيما يخص الاتجاهات، المؤرخون مثل سطورة ومينيي وحربي في تصنيفهم للمجموعة المساندة والمناهضة لمؤتمر الصومام يضعون محساس في خانة مجموعة بن بلة المناهضة لوثيقة الصومام ·

الفرنسيون هم الذين خلقوا هذه الأشياء· بن بلة لم تكن له مجموعة وكنا نحن أكثر أقدمية وخبرة منه، وضعناه على رأس المجموعة لأنه أكبرنا سنّا، وكان تكويننا مبنيا على السرية، بالمختصر كنا >كوموندوس <·

بعد مقتل عبان أرسل بن بلة من سجنه رسالة قاسية نشرت في كتاب >أرشيف الثورة< لحربي، وعبّر فيها بن بلة عن فرحته ورضاه بتصفية عبان رمضان وذهب الى حد تمثيله بالمكروب· أليس هذا إجحافا وقسوة؟

أنا احتججت ونددت عندما سمعت بمقتل عبان، غضبت وخرجت عن أطواري، وكنت رافضا اللجوء الى مثل هذه السلوكات، برغم أن عبان سلك هذا السلوك ضدي، لكني لم أعر اهتماما· كنت بألمانيا وقتها· بعدما خرجت من تونس، بعث لي عبان قبل موته مع المناضل امحمد يوسفي، رحمه الله، قال له قل لفلان >محساس< بأن يأتي ويحاسب في القاهرة، ثم بعدها ذهب هو ليحاسب في المغرب ولم يجد من يقف معه لينقذه ·

الحديث اليوم يدور حول ميثاق صداقة بين الجزائر وفرنسا، وفرنسا لم تعتذر عن جرائمها ومازال بيجار السفاح يراوغ ويهين ومازالت الأنصبة تقام على شرف قادة الـ>او·آ·س < (OAS) والعدالة لم تنصف المناضلة إغيل احريز· ما هي الشروط التي ترونها ضرورية لمثل هذا الميثاق خاصة في المسائل التاريخية؟ ·

أعلنت عن موقفي· أنا ضد· أنا لست انتقاميا· ولست ضد أي أحد· ولست عنصريا وأؤمن بالنوع البشري الذي اختلف مع التاريخ، لكن ما تعرضنا له هو اعتداء كولونيالي· أُريد به القضاء على مجتمعنا وأمتنا ·

لدينا علاقات جيدة مع فرنسا في كل المجالات، ولا أفهم ما يدفعنا لإمضاء معاهدة صداقة مع أمة أرادت مسحنا (···)· خلال 130 سنة من الاستعمار مات 8 ملايين من الجزائريين وهناك من يقول 12 مليونا، ماتوا بسبب الاستعمار، والأمراض· واللاّعدل··· ميثاق صداقة ممكن مع أي بلد، إلا مع من أراد مسحنا كأمة وحضارة· ماذا سنربح من هذه المعاهدة والجزائر ليست لها أي فائدة، فهي دولة غنية ولها الوسائل· الجزائريون لم يعملوا جيدا وهذا بسبب 130 سنة استعمار ومازال الغرب يحاول تهديم حضارتنا، فاليوم الجزائريون أصبحوا متعاونين تقنيا في فرنسا وبلدان أخرى والجالية تقدم خدمات في كل مجالات النشاط الاقتصادي والاجتماعي إطارات جزائرية وفرنسا تستغل أبناء وإطارات الجزائر ·

في الأحداث الأخيرة بالضواحي الباريسية طرح ساركوزي على أمواح FR3 ، قضية الهجرة والجاليات وقال إن المهاجرين من شرق أروبا شيء، لكن القادمين من شمال افريقيا شيء آخر، لأنها ليست نفس الثقافة وأن هؤلاء (يقصد الجزائريين) لديهم تعدد الزوجات· كيف تفسرون هذا التصريح بغض النظر عن >الراكاي< و>الكارشير<؟

الحضارة الغربية لا تقبل حضارتنا، إنها تتعمد الكيل بمكيالين، وهي بالتالي شبه عنصرية أو مناهضة للأجانب (Xenophobe) وهم لا يقبلون أن يكون الآخر مساويا لهم وهم يحملون أفكارا أكثر رجعية· هناك جزائريون يعيشون في فرنسا منذ أكثر من 100 سنة لكنهم ليسوا فرنسيين لأنهم قدموا من مناطق تاريخية >عدوة<، والجيو سياسة تجعل منّا أعداء >مفترضين< وممكنين· وفي ما يخص حوار الحضارات مازال الغربيون على قناعاتهم بشأننا، غيروا التكتيك فقط··· وهذا ما سمح لأمثال ساركوزي بالكلام بهذه الصيغة· كافحنا من أجل استقلالنا، ولا أعرف كيف نفسر لأبناء أبنائنا التضحيات ومناكر الاستعمار وكيف وصلنا لاتفاق صداقة ·

برأيكم من الذين يخافون من التاريخ والذاكرة في الجزائر؟

هناك الكثيرون من يخافون التاريخ، هناك في الدرجة الأولى الذين لم يكن لهم سلوك جيد في الحركة الوطنية· وكذلك هؤلاء الذين لهم توجهات وطموحات ليست طموحات المجتمع وهؤلاء هم الذين يريدون دائما السيطرة على العالم· وكما يقال، فإن التاريخ وعلم الاجتماع علوم نقدية، وفي بلادنا لا توجد سوسيولوجيا ولا علوم نقدية· والتاريخ كذلك، فلو حاولت تفسير مؤتمر الصومام يجب أيضا إدخال المؤامرة الفرنسية في الحساب، حيث حاولت إعطاء الأولوية والأسبقية لمجموعة على حساب أخرى؛ يختطفون الطائرة، ويهاجمون مصر حتى لا تدخل الأسلحة· هذا يعني أنهم يفضلون مجموعة بعينها وهو ما أصبح اليوم واضحا، إذ حدث ويحدث في دول أخرى وليس نتاج نسيج الخيال ·

مازال الجزائريون حتى اليوم يموتون بفعل الألغام التي تركها الاستعمار وآخرون يموتون بسبب الاشعاعات النووية الناجمة عن التفجيرات الذرية الفرنسية في صحراء رقان و''إن إكر'' بالهقار، فما هو تفسيركم للصمت حيال هذا التقتيل المتواصل؟

لأن الأحداث المتراكمة التي نعيشها اليوم هي انتقام التاريخ وهو ما جعل الناس يسكتون أو يحاولون الإخفاء· هذا الكتاب الذي أمامكم لم أجد من يصدره، لأنه يذكر بالجرائم والمقاومات ولا أحد يتكلم· وأنا لا أكتفي بشغل كرسي ولا أريد أن يقول أحفادنا جدودنا >جابوها وخدعونا< والذين يزوّرون التاريخ يلجأون الى حكايات لإخفاء ''تاء'' التاريخ· ماذا يضر الجزائريين عندما يرون تاريخهم بموضوعية وعلمية ويمكنهم أن يتسلحوا به وينافسوا أيّا كان· لقد خرجت من مجلس الثورة وراجعت نفس سنوات لأني لم أكن مقتنعا وأردت أن أفهم ووصلت الى قناعة، وخلاصتها أن الثورة عملاقة كان يجب القيام بها ويجب اليوم إدراج مفاهيمها في الثقافة والتربية المقدمة لأبنائنا وهذه هي الطريقة الوحيدة لإنقاذهم· واليوم لسنا بحاجة الى أحد وقوتنا في ثقافتنا وحضارتنا، لسنا هنودا حمر، ولم يكن الاستعمار متحضرا· ودليل قدرتنا يسطع كل يوم، فعندما أوقف الأمريكيون إنتاج البترول بفنزويلا الجزائريون هم من ضمن عدم توقف سيرورة الإنتاج ·

شكرا الاخ رمضان على ردورك المتميزة و التي تبين انك تتابع مشاركاتنا المتواضعة باستمرار وهذا مايزيدنا وباصرار الذهاب
بمنتدانا الى الهدف المنشود و هو خدمة ابنائنا الاعزاء
واذكرك بان العطلة على الابواب وسد عين زادة الجميل مشتاق اليك كثيرا