الحرب الباردة اصطلاح ساد استعماله على نطاق واسع بعد أن حطت الحرب العالمية الثانية أوزارها بل يمكن القول تحديدا إن ذلك كان مع نهاية الحرب وبعد مؤتمر يالطة.
تلك الحرب التي بدأت واشتعلت بقرار خاطئ بل مقامرة مميتة لهتلر ولدولته وطموحاته التي تمثلت في بدئه هذه الحرب بغزوه لبولندا في سبتمبر عام 1939م.
حرب أتت على أرواح الملايين عسكريين ومدنيين من خلال القصف والموت في الحرب ومن خلال الأمراض ومن خلال الجوع ومن خلال المحارق لليهود كما يدعون.
لقد عرف كل من المعسكرين الغربي والشرقي ما له وما عليه بعد انتهاء هذه الحرب.
برزت الولايات المتحدة كقوة وكذا الحال ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي وأتت بريطانيا وفرنسا بعدهما في القوة، قسمت ألمانيا بعد هذه الحرب إلى أربعة نطاقات حيث تسيطر كل دولة من هذه الدول على قسم من هذه الأقسام.
ولم تنج العاصمة برلين من التقسيم بنفس الطريقة ولكن كان هناك حرية للتحرك بين مناطق التقسيم الأربعة للعمل أو لزيارة الأقرباء والأصدقاء وبالتأكيد كان لابد لهذه الأقسام الأربعة سواء لبرلين أو للبلد ككل أن تكون تابعة للتوجهات السياسية للمسيطرين عليها.
بطبيعة الحال الأقسام التابعة للولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا أصبحت نظاما ديمقراطيا رأسماليا بينما القسم التابع للاتحاد السوفيتي أصبح نظاما شيوعيا دكتاتوريا لم يسمح ستالين فيه لقيام أي نوع من الانتخابات.
كانت الإشكالية في مدينة برلين ذاتها التي كانت موجودة في القسم الخاضع لسيطرة الاتحاد السوفيتي بحيث تحيط بها أراضي ألمانيا الشرقية من كل الجهات.
كان ذلك معضلة للغرب وطلبوا أن يكون لهم حرية التنقل برا إلى هذه المدينة وحصلت الموافقة السوفيتية، لكن في بداية ابريل عام 1948م أغلق الاتحاد السوفيتي الحدود البرية ولم يسمح للدول الغربية بالدخول إلى برلين بالطرق البرية ودام ذلك الإغلاق أكثر من 460 يوما ليرفع الحظر عام 1949م.
كان الطعام وكل المستلزمات تأتي إلى سكان برلين الغربية عن طريق الجو فقط، انتعش الاقتصاد والبناء في الأقسام التابعة للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وساد الكساد والفقر في الجانب التابع للاتحاد السوفيتي مما دفع بالملايين من الناس في ألمانيا الشرقية للتحرك تجاه ألمانيا الغربية وبرلين الغربية خلال العقد السادس من القرن العشرين مما شكل قلقا لدى الاتحاد السوفيتي.
لقد قادهم هذا القلق إلى بناء سور برلين الذي قسم برلين إلى قسمين شرقي وغربي والذي بدأوه بوضع أسلاك شائكة في شهر اغسطس عام 1961م ثم تدرج البناء مع مرور الوقت حتى انتهى ببناء مسلح من الإسمنت تعلوه أبراج للمراقبة يتسنمها كلاب الحراسة ورجال الأمن.
ومن خلف هذا الجدار كانت هناك مسافة تصل إلى عدد من الكيلومترات ممنوع دخولها ومن يحاول دخولها فمصيره وابل من الرصاص دون مطاردة أو محاولة للقبض عليه.
لقد كان هذا الجدار هو حدود الستارة الحديدية التي تعني المعسكر الشرقي الذي كان يهيمن عليه الإتحاد السوفيتي، وبالمناسبة فإن مصطلح الستارة الحديدية أطلقه تشرشل عام 1946م رئيس وزراء بريطانيا ما بين عامي 19401945م .
أسوار وقلاع
ادعى الاتحاد السوفيتي أن بناء هذا الجدار هو لمنع الإمبريالية من الوصول للشرق.
وقال خورتشوف بسخرية.. إن هذا الجدار يهدف إلى منع الذئب من الوصول إلى ألمانيا الديمقراطية مرة أخرى.
على كل حال بناء الأسوار والقلاع في أي بلد هو للدفاع عنه ومنع تسلل الأعداء إليه، ولكن سور برلين يهدف إلى منع سكان ألمانيا الشرقية من الوصول إلى ألمانيا الغربية وإلى إظهار قوة الاتحاد السوفيتي وقدرته على مواجهة الرأسمالية والإمبريالية حسب زعم الروس، ورغم هذا الجدار نجح الآلاف في الهروب وفشل الآلاف ومات ربما المئات.
كان ذلك التقسيم الرباعي لألمانيا هو غنيمة الحرب وتنكيلا وعقابا لذلك البلد الذي أفرز هتلر ذا الأطماع التوسعية والطموح الذي لم يكن له حدود شرقا وغربا، وعقابا له على تصنيفه للشعوب والأعراق بدرجات متفاوتة جعل الجنس الآري يتسنم ذلك التصنيف في المكانة والأفضلية والعراقة بينما جعل البعض في ذيل ذلك التصنيف ومن ضمنهم اليهود وربما العرب.
سعت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي إلى تشكيل الوضع السياسي في القسمين الغربي والشرقي كل بما يروق له وبما يتماشى مع سياساته.
وبدأ المعسكر الغربي بزعامة الولايات المتحدة وعضوية كل من فرنسا وبريطانيا بوضع التصور والتخطيط السياسي لألمانيا الغربية بينما سعى الاتحاد السوفيتي إلى تخطيط المستقبل السياسي لألمانيا الشرقية والهدف أن تكون الألمانيتين تحت السيطرة الكاملة السياسية أو العسكرية والسعي إلى إماتة النزعة القومية والنازية والفاشية في هذين الجزئين.
حلفاء الأمس اختلفوا وأصبحوا يفكرون فيما بعد التقسيم وخلت الساحة الدولية من أقطاب القوة المتعددة التي كانت تمثلها فرنسا وألمانيا واليابان وبريطانيا وروسيا والولايات المتحدة.
وأصبح هناك فراغ في القوة أتاح للإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة أن يسدا هذا الفراغ، حيث انهزمت ألمانيا واليابان تماما وضعفت فرنسا وبريطانيا لأن فرنسا احتلتها ألمانيا وضعفت وبريطانيا بعد أن تعرضت مدنها للدمار والخراب.
بداية الحرب
بدأ عدم الثقة يسود بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة وهو بداية الحرب الباردة. المعسكر الغربي وعلى رأسه الولايات
الاستاذ: عبري علي