مقدمــــة:
نسعى من خلال هذه الدروس الإحاطة قدر المستطاع بمعظم الأحداث التي عاشتها وعرفتها الجزائر طيلة الفترة ما بين 1830-1954، ولا نقصد بذلك أنّ الدراسة ستكون استعمارية محضة على غرار ما اعتاده الفرنسيون، بل نسعى إلى التركيز على المسار السياسي-النضالي-الوطني الجزائري، لكي تكون دراسة موضوعية، تعالج فترة التواجد الفرنسي في الجزائر وفي الوقت نفسه توضح ردود الفعل الجزائرية، ابتداءً من المقاومات الشعبية إلى ظهور الحركة الوطنية.
وقد تم تقسيم العمل إلى مدخل وثلاث محاور كبرى:
المدخل: العلاقات الجزائرية الفرنسية خلال العهد العثماني
المشـــــاريع الفرنسية لاحتلال الجزائر
المحور الأول: السياسة الفرنسية في الجزائر، ويقسم بدوره إلى:
- الحملة الفرنسية على الجزائر، أسبابها ونتائجها
- الأوضاع العامـة في الجزائر 1830-1919
- سياسة الإدارة الفرنسية خلال الحرب العالمية الأولى.
- سياسة الإدارة الفرنسية ما بين الحربين 1919-1939
المحور الثاني: نمادج من المقاومات الشعبية في الجزائر، وقد أخذنا اثنتين وهما:
-مقاومة أحمـــد باي
-مقاومة الأمير عبد القادر
المحور الثالث: الحركة الوطنية الجزائرية، وتضم:
-مسألة الاندماج وموقف النخبة الأهلية المثقفة منها في الفترة ما بين الحربيــن.
- ظهور وتطور التنظيمات والأحزاب الوطنية ما بين الحربين، ويقسم بدوره إلى:
- نجم شــــمال إفريقـــيا
- حزب الشـــــعب الجزائري
- جمعية العلماء المسلمــين الجزائريين
- فرحات عباس وبيان الشعب الجزائري
- حــــوادث 8 مــاي 1945
- حركة انتصار الحريات الديمقراطية.
مــــدخل: العلاقات الجزائرية الفرنسية خلال العهد العثماني
مشاريع فرنســـــــا لاحتلال الجزائر
العلاقات الجزائرية الفرنسية خلال العهد العثماني:
شهدت فترة البايلربايات، علاقات حسنة بين أيّالة الجزائر وفرنسا، حيث كانت الكاليوطات والأساطيل التركية ترسو في موانئ مرسيليا بكل حرية، حتى أنّها كانت تتلقى تحذيرات هناك من ملاحقات الإسبان لها، زد على ذلك الحكام الفرنسيون أنفسهم نذكر منهم هنري الثاني Henri 2 وشارل التاسع Charles 9 كانوا يرسلون مرارا تحذيرات للأيّالة الجزائرية حول مخططات الإسبان ضدها، وهذا لكون إسبانيا كانت العدو المشترك لكل من فرنسا والجزائر، لكن هذا الأمر كان مؤقتا، أو كما قال دوقرامون H D de Grammont:« ستظل فرنسا صديقة للجزائر مادامت عدّوة لإسبانيا والعكس صحيح».
وبدأت علاقات الجزائريين بفرنسا منذ أن تأسس الأوجاق، وكانت الصداقة بين الدولة العثمانية وفرنسا منذ السنوات الأولى لخلافة سليمان القانوني تحتم على أوجاق الجزائر التي هي ولاية من الإمبراطورية أن يكون صديقا لفرنسا، فقد تحالف خير الدين بربروس مع الفرنسيين سنة 1543 في محاصرة قلعة نيس Nice التي كان قد سيطر عليها شارل الخامس Charles Quint ، وكانت العداوة المشتركة للإسبان تشكل هذه الصداقة.
نظر للمضايقات المتواصلة وعمليات النهب التي تعرضت لها السفن الفرنسية، قدّم السفير الفرنسي في اسطنبول للسلطان العثماني طلبا حول ضرورة تعيين قنصل في الجزائر؛ بغية حماية التجارة، وقد تمّ تعيين المرسيلي برتول Berthole، في هذا المنصب بتاريخ 15 سبتمبر 1564 وقد أثار قدومه سخطا كبيرا في أوساط الجزائريين وعلى حد تعبير دوقرامون H D de Grammont: «كان الجزائريون يتقبلون بصعوبة كل ما هو جديد»، وحصل الأمر مثله لمن قدم بعده، حيث حوصر ورفض ومنع من النزول في ميناء الجزائر، ومرّت 12 سنة دون جديد حتى عام 1576، حضر القنصل موريس صورون Maurice SAURON، ولاقى في البداية نفس ما تعرض له السابقون، فباشا الجزائر آنذاك رمضان لم يتمكن من التحكم في الموقف نظرا للمضايقة المتواصلة من قبل الإنكشارية، لكنه مع ذلك لم يتردد في استقبال القنصل الفرنسي كما انّ فرنسا لم تصمت هذه المرّة، وذلك من خلال رسائل أمين السفارة الفرنسية جوي Juyé، ورئيس دير مدينة ليسل Lisle، ونجحوا بذلك، وبدأ نشاط القنصل عام 1577 وظل يمارس مسؤولياته إلى وفاته عام 1585، وعيّن مكانه لويز دي لاموث داريي Loys de la Mothe DARIES، الذي لم يمارس مسؤولياته بل أوكلت إلى منذوب عنه وهو الأب بيونو Père Bionneau الذي سجن من طرف حسان فنزيانو عام 1586، وحلّ مكانه جاك دي فياز Jacques de Vias سنة 1588.
وكل هؤلاء القناصل لا تتوفر حولهم معلومات دقيقة، ومرّد ذلك أنّهم لم يكونوا يحملون تعيينا ملكيا رسميا، بل كانوا يرسلون من مقاطعة مرسيليا، وطيلة القرن 16 لم يكن في الجزائر قناصل غير الفرنسيين.
في سنة 1561 تحصلت فرنسا على تصريح تشييد مراكز تجارية على السواحل الجزائرية، أدارها كارلوس ديدييCarlos DIDIER وتوماس لانش Thomas LANCIO من مرسيليا والتي عرفت بحصن فرنسا Bastion de France نواحي عنابة والقالة لاصطياد المرجان واستبدال السلع الفرنسية بالقمح والشموع والجلود التي يحملها الأهالي.
وفي سنة 1604 هدم الأتراك مركز الباستيون، وكان ذلك بسبب شراء الفرنسيين القمح من الأهالي وبيعه لأوروبا، رغم القحط الذي عمّ بلاد الجزائر ممّا أدى إلى غضب الأتراك من عملية الفرنسيين بإخراجهم القمح خارج البلاد، وقد أعيد بناء الباستيون عام 1628، وهدم مرة أخرى وأعيد تشييده عام 1640 نظرا لتمسك القبائل الشرقية بالمتاجرة مع الفرنسيين.
في النصف الثاني من القرن 17، جربت فرنسا استعمال سياسة القوّة ضد أوجاق الجزائر؛ حيث أرسل الملك لويس الرابع عشر، الأسطول الفرنسي إلى الجزائر بقصد الحد من قوة القرصنة وضربت المدينة بالمدافع، ومع هذا فإنّ الحكومة الفرنسية لم تجن أي نتيجة مما انتظرته من سياسة القوّة، وفي سنة 1689 عقدت معاهدة صلح مع والي الجزائر وبعدها راعت فرنسا التعايش بسلام مع الجزائر، ولم تهتم أكثر بالباستيون.
كان الباستيون يدار من قبل شركة فرنسية خصوصية وكانت خسارة الشركة تفرض تدخل الحكومة الفرنسية، وقد أسست أخيرا في سنة 1741 شركة رسمية باسم الشركة الملكية لإفريقيا وبعد الثورة الفرنسية 1789 استمرت في عملها تحت إدارة تجار مرسيليا باسم الوكالة الإفريقية.
كان احتلال الجنرال بونابرت لمصر سنة 1798؛ السبب في إعلان أوجاق الحرب على فرنسا تحت ضغط الدولة العثمانية، بالرغم من أن والي الجزائر كان وقّع معاهدة صلح مع فرنسا قبل سنتين إلاّ أنّه اكره لإعلان الحرب عليها وقطع علاقاته مع فرنسا إثر إنذار السلطان الشديد اللهجة.
أمّا معاهدة السلم القطعية بين أوجاق الجزائر وفرنسا، فقد وقعت في أواخر سنة 1801 ذلك أنّ الدولة العثمانية تصالحت مع فرنسا( وقد وازى احتلال بونابرت لمصر توقيف الامتيازات الفرنسية في الجزائر وغلق الشركات، وقد أعيد فتحها بعد خروجه).
في عام 1805 انهزمت فرنسا أمام إنجلترا في معركة الطرف الأغر Tarflagard فاستولى والي الجزائر على مراكز التجارة الفرنسية، وأجرّها لإنجلترا لمدة 10 سنوات، مما جعل نابليون يفكر في الاستيلاء على الجزائر وتفاهم في شهر جويلية سنة 1807 مع إمبراطور روسيا وأمضى معاهدة تلسيت، وابتدأت سياسته بإرسال الجاسوس بوتان إلى الجزائر عام 1808.
يتبع إن شاء الله